responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 21  صفحه : 370
تَعَالَى: وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ [إِبْرَاهِيمَ: 22] . وَأَيْضًا فَلَوْ قَدَرَ عَلَى هَذِهِ الْأَعْمَالِ لَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَتَخَبَّطَ أَهْلَ الْفَضْلِ وَأَهْلَ الْعِلْمِ دُونَ سَائِرِ النَّاسِ لِيَكُونَ ضَرَرُهُ أَعْظَمَ. ثُمَّ قَالَ وَإِنَّمَا يَزُولُ عَقْلُهُ لَا مِنْ جِهَةِ الشَّيْطَانِ لَكِنْ لِغَلَبَةِ الْأَخْلَاطِ الْفَاسِدَةِ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ أَسْبَابِ ذَلِكَ الْمَرَضِ اعْتِقَادَ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَقْدَمُ عَلَيْهِ فيغلب الخوف عليه فَيَحْدُثُ ذَلِكَ الْمَرَضُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: إِنَّ عِبادِي أَهْلُ الْفَضْلِ وَالْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ لِمَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ/ أَنَّ لَفْظَ الْعِبَادِ فِي الْقُرْآنِ مَخْصُوصٌ بِأَهْلِ الْإِيمَانِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ [النَّحْلِ: 100] .
ثُمَّ قَالَ: وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا وَفِيهِ بَحْثَانِ:
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا مَكَّنَ إِبْلِيسَ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ بِأَقْصَى مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْوَسْوَسَةِ، وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِحُصُولِ الْخَوْفِ الشَّدِيدِ فِي قَلْبِ الْإِنْسَانِ قَالَ: وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا وَمَعْنَاهُ أَنَّ الشَّيْطَانَ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا فَاللَّهُ تَعَالَى أَقْدَرُ مِنْهُ وَأَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنَ الْكُلِّ فَهُوَ تَعَالَى يَدْفَعُ عَنْهُ كَيْدَ الشَّيْطَانِ وَيَعْصِمُهُ مِنْ إِضْلَالِهِ وَإِغْوَائِهِ.
الْبَحْثُ الثَّانِي: هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَعْصُومَ مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْتَرِزَ بِنَفْسِهِ عَنْ مَوَاقِعِ الضَّلَالَةِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْإِقْدَامُ عَلَى الْحَقِّ وَالْإِحْجَامُ عَنِ الْبَاطِلِ إِنَّمَا يَحْصُلُ لِلْإِنْسَانِ مِنْ نَفْسِهِ لَوَجَبَ أَنْ يُقَالَ: وَكَفَى الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ فِي الِاحْتِرَازِ عَنِ الشَّيْطَانِ، فَلَمَّا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ بَلْ قَالَ: وَكَفى بِرَبِّكَ عَلِمْنَا أَنَّ الْكُلَّ مِنَ اللَّهِ، وَلِهَذَا قَالَ الْمُحَقِّقُونَ: لَا حَوْلَ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ إِلَّا بِعِصْمَةِ اللَّهِ، وَلَا قُوَّةَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ إِلَّا بِتَوْفِيقِ اللَّهِ. بَقِيَ فِي الْآيَةِ سُؤَالَانِ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: أَنَّ إِبْلِيسَ هَلْ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّ الَّذِي تَكَلَّمَ مَعَهُ بِقَوْلِهِ: وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ هُوَ إِلَهُ الْعَالَمِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ؟ فَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى قَالَ: فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً [الإسراء: 63] فَكَيْفَ لَمْ يَصِرْ هَذَا الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ مَانِعًا لَهُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ مَعَ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ؟ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْقَائِلَ هُوَ إِلَهُ الْعَالَمِ، فَكَيْفَ قَالَ: أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ [الْإِسْرَاءِ: 62] .
وَالْجَوَابُ: لَعَلَّهُ كَانَ شَاكًّا فِي الْكُلِّ أَوْ كَانَ يَقُولُ فِي كُلِّ قَسَمٍ مَا يَخْطُرُ بِبَالِهِ عَلَى سَبِيلِ الظَّنِّ.
وَالسُّؤَالُ الثَّانِي: مَا الْحِكْمَةُ فِي أَنَّهُ تَعَالَى أَنْظَرَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَكَّنَهُ مِنَ الْوَسْوَسَةِ؟ وَالْحَكِيمُ إِذَا أَرَادَ أَمْرًا وَعَلِمَ أَنَّ شَيْئًا مِنَ الْأَشْيَاءِ يَمْنَعُ مِنْ حُصُولِهِ فَإِنَّهُ لَا يَسْعَى فِي تَحْصِيلِ ذَلِكَ الْمَانِعِ.
وَالْجَوَابُ: أَمَّا مَذْهَبُنَا فَظَاهِرٌ فِي هَذَا الْبَابِ، وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَلَهُمْ قَوْلَانِ: قَالَ الْجُبَّائِيُّ: عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عِنْدَ وَسْوَسَةِ إِبْلِيسَ يَكْفُرُونَ بِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يُوجَدَ إِبْلِيسُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي وُجُودِهِ مَزِيدُ مَفْسَدَةٍ، وَقَالَ أَبُو هَاشِمٍ: لَا يَبْعُدُ أَنْ يَحْصُلَ مِنْ وُجُودِهِ مَزِيدُ مَفْسَدَةٍ، إِلَّا أَنَّهُ تَعَالَى أَبْقَاهُ تَشْدِيدًا لِلتَّكْلِيفِ عَلَى الْخَلْقِ لِيَسْتَحِقُّوا بِسَبَبِ ذَلِكَ التَّشْدِيدِ مَزِيدَ الثَّوَابِ، وَهَذَانَ الْوَجْهَانِ قَدْ ذَكَرْنَاهُمَا فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ وَالْحِجْرِ، وَبَالَغْنَا فِي الْكَشْفِ عَنْهُمَا، وَاللَّهُ أعلم.

[سورة الإسراء (17) : الآيات 66 الى 69]
رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (66) وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً (67) أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً (68) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً (69)

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 21  صفحه : 370
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست